‫الرئيسية‬ نسمات الحرية قراءة في المجموعة الشعرية " شباك جارتنا الغريبة "للشاعر التونسي " سفيان رجب "/بقلم:الهادي عرجون
نسمات الحرية - نقد و دراسات - 31 أكتوبر، 2017

قراءة في المجموعة الشعرية " شباك جارتنا الغريبة "للشاعر التونسي " سفيان رجب "/بقلم:الهادي عرجون

 

  ما قبل القول:

     يقول ستيفن سبندر(1):” أعظم الشعر هو ما يكتبه شخصٌ يجهد نفسه ليذهب إلى أبعد مما يمكن ” ففي الغالب لا يمكن أن يكون الشعر شعراً إلا إذا كان مدعوماً بوعي بواقع العالم ونظرة معينة للأشياء المحيطة بنا، فلا بد من الاكتشاف والبحث عن لغة جديدة تحاكي الواقع الملموس فالشعر عند الشاعر سفيان رجب هو مجازفة وتجريب و كسر للثبات والجمود في قصائد يمكن تصنيفها بقصائد تجريبية تخلق عوالم أخرى يتنفس عطرها وتعطر ما حولها لما تحمله من رؤية إبداعية و عمق شعري.

    فبعد مجموعتيه، ” كالبرتقالة فوق مائدة الفقير” و”الحدائق المسيجة”، يتحفنا الشاعر التونسي” سفيان رجب” بمجموعته الثالثة “شباك جارتنا الغريبة” والتي صدرت عن دار زينب للنشر سنة 2017، في 124 صفحة ضمت بين طياتها 30 قصيدة تنتمي كلّها إلى قصيدة التفعيلة باستثناء قصيدة “نخلة نيسان” التي جاءت مطولة مقارنة ببقية النصوص والتي مزج الشاعر فيها بين التفعيلة والنثر. كما بوّب الشّاعر مجموعته الشعرية إلى سبعة أبواب تتفاوت من حيث عدد النّصوص. في حين تمثلت ثلاثة أبواب منها في قصائد مفردة هي: ( الرّسّام الضّرير، نخلة نيسان وسجن الشّرق ).

    مع العلم أن المجموعة الشعرية ” شباك جارتنا الغريبة ” مثلت نسيجا دلاليّا لقضايا ثقافية مدارها الاغتراب والتشتت لها تناصّها مع التراث الشعري العربي القديم و الحديث والتي ألبسها في ظاهرها جبة قصيدة غزلية عموما، يقول في التصدير الذي ينسب لشعر امرئ القيس في أغلب المراجع القديمة:

أَجَارَتَنَا إِنَّا غَرِيبَانِ هَاهُنَا     وَكُلُّ غَرِيبٍ لِلغَريبِ نَسِيب

و نورد هنا بقية النص لنكتشف أن الشاعر وراء هذا البيت كان يخفي أشياء كثيرة قالها تلميحا و لم يقلها تصريها:

جَارَتَنَا إِنَّ الخُطُوبَ تَنُوبُ      وَإِنِّي مُقِيمٌ مَاأَقَامَ عَسِيب

أجَارَتَنَا إِنَّا غَرِيبَانِ هَاهُنَا ُ      وَكُلُّ غَرِيبٍ لِلغَريبِ نَسِيب

فَإِنْ تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا ُ     وَإِنْ تَصْرَمِينَا فَالغَريبُ غَريب

أجَارَتَنَا مَافَاتَ لَيْسَ يَؤؤبُ ُ    ومَاهُو آتٍ فِي الزَّمَانِ قَريب

ولَيْسَ غَريبًا مَنْ تَنَاءَتْ دِيَارُهُ   ولَكِنَّ مَنْ وَارَى التُّرَابَ غَريب

    فالشاعر سفيان رجب ينحت تجربته الشعرية بكل أحاسيسه و عمقه الشعري محاولة منه لإثبات مشروعه الذي يرمي منه إلى نحت كتابة شعرية حديثة و بذلك يؤسس موقفا مما كتب ويكتب حتى الآن بالساحة الأدبية التونسية و العربية عموما. مستدعيا لذلك عدد من الشخصيات العربية و العالمية و موظفا إياها توظيفا غايته التعبير عن أفكار و أراء يرد بثها للمتلقي.

    يقول الدكتور : علي عشري زايد (2) في كتابه ” إستدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي الحديث “ : ” من الطبيعي أن الشاعر يوظف شخصية تراثية فإنه لا يوظف من ملامحها إلا ما يتلاءم و طبيعة التجربة التي يريد التعبير عنها من خلال هذه الشخصية، وهو يؤول هذه الملامح التأويل الذي يلائم هذه التجربة، قبل أن يسقط عليها الأبعاد المعاصرة التي يريد إسقاطها عليها”.

   كما أن الدكتور علي عشري زايد حدد ثلاث مراحل تمر بها عملية توظيف الشخصية التراثية و هي:

  1. اختيار ما يناسب تجربة الشاعر من ملامح هذه الشخصية.
  2. تأويل هذه الملامح تأويلا خاصا يلائم طبيعة التجربة.
  3. إضفاء الأبعاد المعاصرة لتجربة الشاعر على هذه الملامح، أو التعبير عن هذه الأبعاد المعاصرة من خلال هذه الملامح بعد تأويلها.

   و هذا ما ذهب إليه الشاعر سفيان رجب حين وظف الشخصيات التراثية في مجموعته الشعرية ” شباك جارتنا الغريبة “مع التعمق و الغوص في أبعاد الشخصيات التي وظفها معتمدا تارة على المراحل التي ذكرنا آنفا و مستغنا عنها تارة أخرى ليكون له التفرد والتميز في تحميلها آراء وأفكار لا يكتشفها القارىء العادي.

1- استحضار الشخصيات الصوفية:

كلنا يعلم أن الرابطة التي تربط الصوفي بالشاعر عميقة فمثلا شخصية الحلاج التي وقع توظيفها في المجموعة و شخصيات  مثل ابن الفرض و ابن عربي و غيرهم التي لم يوظفها كانوا في نفس الوقت شعراء استخدموا شعرهم للتعبير عن أفكارهم و آرائهم يقول في نص       ” اشرب حتى تصير خفاشا “ صفحة: 15 و 16.

” سترى الحقائق في حدائق حافظ الشيرازي

معلقة

بأثداء الكروم

في جبة الحلاج

تنسجها قداسات الخطايا

ثم ترسمها

على حجر الزوايا

طير حناء

تشكله مخيلة العجائز و الدراويش “

و هنا تتجلى لنا رؤية الشاعر و موقفه مما كتب و يكتب من منظور شخصيات أفردها هو بشعره كما شغلت الساحة الأدبية بأفكارها و آرائها.

2- استحضار الشخصيات التاريخية:

يرى المتتبع للمدونة الشعرية يلاحظ أن الأحداث التاريخية و الشخصيات التاريخية ليست مجرد أحداث عابرة تنتهي بانتهاء وجودها الواقعي و الفعلي فإن لها من الدلالات الباقية والقابلة للتجديد في صيغ و أشكال تتكرر من خلال أحداث جديدة يمكن أن نحمل عليها تأويلات و تفسيرات تعيد الحياة لهذه الشخصيات سواء بالحنين إليها أو لما تحمله هذه الشخصيات و الأحداث من أفكار وقضايا كأبطال الثورات و الحكام ( خلفاء ، أمراء ) يمثلون الوجه المضيء أو السيء في تاريخنا و لهذا نرى الشاعر سفيان رجب يوظف في قصيدته ” نخلة نيسان “ صفحة: 66 و 67.

شخصيات (عمر بن الخطاب – الأمير عبد القادر – صقر قريش) في إشارة منه للهجرة تارة وللغربة تارة أخرى.

” افريقية التي قال عنها ” عمر بن الخطاب “: تزرع قلوب

أهلها في المنافي و تشحذ مناجلها لحصاد الحنين “

و كذلك حين يقول:

” لكنها صارت سوداء و نحن ندخل ” طرابلس ” كأن عصا

ساحر لمستها

و في ساحة الأمير عبد القادر كانت بيضاء، و في طنجة

صارت خضراء”

و كذلك يقول في نفس النص صفحة: 67.

” فيساقط علينا بكاء و أنينا

كذبة من قبيل : حوض

اكواريوم في صحراء، أو وردة رمل في ” انتاركاتيكا “

أو قفص يأخذ شكل غابة في شرفة قصر، أو نخلة

صقر قريش في شتاء

وهي ليست بدعة لتدويخ الجغرافيا …”

حيث يشبه الغريب في غربته بمجموعة من المفارقات مثل ( حوض أكواريوم في الصحراء- وردة رمل في انتاركاتيكا ). و مع هذا يبقى الأمل قائما يقول:

 ” لكل ضرير شمسه التي سيعيش على أمل أن يراها

و لكل أصم أغنيته التي سيعيش على أمل أن يسمعها

و لكل غريب منا نخلته التي تصد ريح اليأس عن نافذة قلبه”

و هنا وظف الشاعر هذه الشخصيات لبث أفكار و قضايا و هموم يريد نقلها للمتلقى بطريقة مختلفة مع الإيحاء و الترميز حول هذه الشخصيات و ما يدور حولها من معاني وألفاظ و هذا ليس مجرد تماهي بينها و لكن لغاية يريدها سفيان رجب من خلال غربة الشاعر في وطنه وغربته في العالم يقول في نص ” الغريب “ صفحة :11.

” و أجلس وحدي

هنا تحت ثلج الشمال

أنادم ظلي

و أشرب خمر ذنوبي

و أضحك

أضحك

أضحك

حتى تعود إلي الرسائل

مختومة بهبوب الهبوب “

و من هذا المنطلق يتبين لنا أن ” شباك جارتنا الغريبة “ لا يعدو إلا أن يكون هذا الوطن و هذه الأرض التي نسكنها و ما تحمله في دواخلنا من ذكريات طفولة و هموم الغربة والمنفى بما فيه من متناقضات على أمل الحرية و الإنعتاق.

يقول في نص ” شباك جارتنا “ صفحة 13:

” لها وجه قديم ما رأته سوى طفولتنا

لها صور فتوغرافية أعلى الصباح

لها غياب فادح حقا و شباك يعذب ناظريه

هي لم تكن أبدا هناك

و انما كانت هنا: في العين تغلقها و تفتحها

و منزلها المغلق نحن كنا ساكنيه “

ليؤكد ذلك في نص ” شمس الولد المهاجر “ ثم في نص  سجن الشرق ” حين يقول صفحة 83:

“أسرى، يقيدنا الحنين إلى الرفاق

وراء شباك صغير يشتهي قمرا

و غيما برتقاليا كسلة مندرين

تعبت أصابعنا من التخمين

هل تأتي

هل يأتي

و هل يأتون

لا تترقبوا أحدا

تقول لنا الطريق المستحيلة … “

3- استحضار الشخصيات الأدبية:

ليس غريبا عن الشاعر سفيان رجب أن تكون الشخصيات الأدبية هي الأكثر توظيفا في شعره فالشخصيات الأدبية عموما هي الأقرب من نفوس الشعراء و وجدانهم لأن الشاعر هو الذي يعايش التجربة و في ذات الوقت يمارس مهمة التعبير عنها.

فلا غرابة أن تكون الشخصيات الأدبية التي وظفها لها قدرة على استيعاب تجربته الشعرية والدلالة عنها سواء بتوظيف الشخصية او كتبها و القضايا المختلفة التي تطرحها.

يقول في نص ” نخلة نيسان “ صفحة 62 :

نبحث عن أنفسنا في الكتب و الأماكن و الوجوه

في الخبز الحافي لمحمد شكري يضج في أفران أرواحنا”

و هنا يتجسد مفهوم الغربة و المعاناة في ذكر رواية ” الخبز الحافي “ و ما تحمله هذه الرواية وشخصية كاتبها من معاناة سلطة الأب ثم القهر و الحرمان و الغربة داخل الوطن ثم الغربة خارجه و كذلك ما مثلته الرواية من ردة فعل تجاه كاتبها و محتواها.

و كذلك في قوله في نفس النص صفحة 62:

في درس ” محمد أركون ” لا تصل إلى قلوبنا

لعطب في لسانه، و عطب في عقولنا “

و كذلك حين يقول في نص ” نخلة نيسان “ صفحة 64:

” يا للطرابيش الحرابي

ألقينا بها في لوحات ” زبير التركي ” و في روايات ” بن سالم حميش ” و ” الطاهر وطار ” ودخلنا المنافي حفاة الرؤوس “

و لكن هذه المنافي التي يتحدث عنها هو من اختارها و سعى اليها و حلم بالمسير اليها عبر قوارب الموت بالإشارة إلى رمزية جزيرة ” لمبيدوزا ” الإطالية و ما تستقبله يوميا من مهاجرين

يقول في نص ” المصباح “ صفحة 104:

” و كذلك احترق الرفيق

و ثار

هذا الدرب فانطلقوا …

خذوا من نار قلبي شعلة تقدموا

كونوا شموسا في صباح الهائمين على السواحل

” لمبيدوزا ” يدخلون حدائق الدم و الحشيش.

كونوا أساور من رياحين

لسيدة من الصحراء زينتها العقارب و الحريش “

ليكتشف بعد ذلك أنه استبدل منفى بمنفى على حد تعبيره و هو يدخل المنفى يقول في نص  نخلة نيسان “ صفحة 51:

” نحن المغاربة الذين نبدل المنفى بمنفى

نجمع التعب المكدس

بين واحات الغروب

نشتري وطنا يناسب تيهنا

حتى إذا تهنا يكون مسافة خلف الحدود “

كما أن الشاعر سفيان رجب قد وظف شخصيات أدبية أجنبية استمدها من خارج تراثنا العربي و هذا ليس جديدا حيث أن شيوع هذه الظاهرة بدأ نتيجة لتأثر شعرائنا بالشاعر الأنقليزي ” اليوت ” الذي كانت أكثر الشخصيات التي وظفها هي شخصيات اغريقية ثم توالت التوظيفات ليستمد شعراؤنا شخصيات من الأدب العالمي الحديث و القديم على حد السواء.

يقول في نص ” اشرب حتى تصير خفاشا “ صفحة 16 و التي استحضر فيها شخصية الشاعر و الفيلسوف الهندي ” طاغور “(3) الذي عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره توفيت والدته، وفي العام التالي انتحرت شقيقته ،و انتزع منه الموت زوجه وثلاثة من أطفاله ووالده و مع هذا بقي مؤمنا بالقدرة الإلهية أمام عجز الإرادة الإنسانية:

” على حجر الزوايا

طير حناء

تشكله مخيلة العجائز و الدراويش

في روح طاغور

مرفرفة كعاصفة من الريش “

و كذلك استحضار لشخصية ” مكسيم غوركي “ في تقديم لقصيدته ” المصباح “ صفحة 104:

و ما تمثله هذه الشخصية من رمز للمعاناة و الألم خاصة في طفولته التي عاشها يتيما في عمر التاسعة  و كذلك ما شهده من معاناة في كبره و التي انعكست بشكل كبير على كتاباته و خاصة في رائعته ” الأم “.

و في الختام يمكن القول أنه وراء شيوع ظاهرة استدعاء و توظيف الشخصيات التراثية  والأدبية في شعرنا المعاصر مرده عوامل ثقافية و فنية و اجتماعية و سياسية و كذلك عوامل نفسية كما أن هذه الشخصيات التي وظفها الشاعر سفيان رجب تدور حول محور واحد هي الألم و الغربة بكل ما فيها من معاناة و قسوة غربة الموت و الحياة غربة الأهل والوطن .

* توظيف ثنائية النور و الظلمة ( الشمس – الليل):

لا يخفى علينا كذلك أن الشاعر سفيان رجب في مجموعته الشعرية اعتمد في أساسها وتركيب لبناتها على ثنائية النور و الظلمة يقول الدكتور جميل حمداوي “يظلّ الظلام والضياء من لوازم الطبيعة النفسية ، لأن النفس عالمها المزيج بين الظلام والضياء ومن هذا التأليف بين النقيضين يترعرع الحسّ الشعري والعالم الملئ بصراع النقائض فأنا لاأرى ظلاما ولاضياء وإنما أتصوّر تحت تأثير الحلات – هذا الضوء وهذا الظلام “ السمو طيفا والعنونة ، مجلة عالم الفكر ، المجلد الخامس والعشرون ، الكويت 1997 ، صفحة 79. (4)

وبإطلاعنا على المجموعة الشعرية نلاحظ إنتشارا للظلام والضياء بصفة كبيرة في أغلب نصوص الديوان واللذين تلبسا بمدلولات رمزية خاصة مع بروز هاتين المفردتين ( الشمس (النور)– الليل ( الظلمة) ) أو كذلك عبر المفردات التي تشير إليهما وهي كثيرة ( النور – النهار – الشمس – النجم – القمر – الفجر- الصباح – المصباح- الضوء- القنديل – المصابيح … ) بالنسبة للنور يقول في نص ” نخلة نيسان “صفحة 53:

” قمر على العتبات تبصقه الأساطير المريضة

شمعة في الضوء تحلم أنها شمس

و ضوء أسود: هو نحن

فانوس ضرير

و وردة المزكوم نحن “

ومفردات مثل ( الليل – الظلمة – السواد- الغسق – الظلال – الظل – العتمات – العمى … ) بالنسبة للظلام يقول في نص: ” الأشياء التي نتقاسمها أنا و الليل “ صفحة: 113.

خاصة مع تكرار السطر الشعري ” بيني و بين الليل “ أكثر من مرة في القصيدة.

وهذه الرموز الشعرية التي طغت على بعض القصائد والتي تكاد تكون بناؤها مبنيا على أساس الصراع بين النور والظلام ويتجلى هذا في قصيدة ” سجن الشرق “ حيث بنيت على ثنائية النور و الظلمة و التي جاءت بصفة متواترة:

“وقلنا شعرنا المنظومَ والمنثورَ تح ظلالها الشفّافة الخضراءِ!.” # ” على وسائدِ حكْيه وفي الصّباح، نفيق مشتعلينَ “

“كسحابة الكبْري تملأ ليلنا بالذّكريات وبالحنينِ ” # ” أنّ المصابيحَ التي تبكي على جدرانهم”

* توظيف الألوان:

 أمّا بخصوص الألوان المعتمدة فالنصّ الشعري خصوصا والشعر الأدبي عموما يرتكز على مقوّمات كاللمفظ بدلالاته العامة والخاصّة والإيقاع بموسيقاه والأسلوب الفني المعتمد من طرف الكاتب الذي يتماهى بالألوان يقول عبد العزيز المقالح” إن دفء اللون كدفء الإيقاع كدفء المعنى كلها تخلق في العمل الفني طاقة جديدة ذات مدلولات متغيرة تصبها في قالب جدي” (5). خاصة و أن شاعرنا اعتمد بصفة كبيرة على ألفاظ الألوان الأساسية:

اللون

عدد المرات التي ذكر فيها

الأحمر

11

الأبيض

09

الأسود

10

الأزرق

12

الأخضر

11

الأصفر

03

يقول في نص ” الرسام الضرير “ صفحة: 42.

“مقلمة ملوّنة على أوْراقنا البيْضاء:

فكّرْنا بتلْوين الحنينِ

يكون أخْضر مثْل نخْلتنا

وفكّرْنا بتلوين الفراغِ

يكون أزرق مثْل شرفتنا

وفكّرنا بتلوين الغيابِ

يكون أصْفرَ مثل قبّتنا”

و كذلك في قوله في نص ” نخلة نيسان “: صفحة 51 و 52.

ونصافح العدمَ الملثّم بالسّوادِ

مخلّفين وراءنا وجه الوجودْ!.

من ليلنا الدّامي، ومن صحرائنا الكبْرى أتينا حاملينَ

جرارنا المثقوبةَ الخضْراءَ  طافحةً سرابًا  بينما القمرُ

الذي يغْفو على أكتافنا كالوشْمِ، ينثر خلفنا أوراقَه

الحمْراءَ

بينما اعتمد ألفاظ الألوان الثانوية بصفة قليلة و في عدد من المواضع مثل ( القزحي – القرمزي- البرتقالي- البني )

و هذا ما يحيلنا على التماهي بين ألوان المفردات التي استعملها و التي تعبر عن الحركية في نصوصه مما يجعل نصه لا يخلو من توظيف اللون بطريقة أو بأخرى ليرسم ملامح اللون فرحا كان أو حزن خاصة و أن الألوان في مجملها مرتبطة بالمشاعر و الأحاسيس و بالتالي إحالتنا على أبعاد نفسية و دينية و اجتماعية بالإضافة إلى دلك أبعاد بيئية و سياسية للتعبير عن لغة يومية بطريقة شعرية امتزج فيها اللون بالشعر.

وهنا لم يبتعد الشاعر سفيان رجب بشعره عن استخدامات الألوان واستدراجها في نصوصه صريحة كانت أو رمزية ليحقق بذلك أبعاد مايرمي بثه في القارئ من أفكار وأحاسيس حين احتلت الألوان حيزا هاما في الكثير من نصوص ” شباك جارتنا الغريبة” خاصة وأن ألفاظ الألوان لها أهمية في علم الدلالة من أجل المقارنات اللغوية وإنعكاساتها على النور والظلمة في شعره.

    و مهما يكن فإن هذه المجموعة التي بين أيدينا، ليست بعيدة عن التمرد والتحريض ، كما أن الدخول إلى معانيها و ألفاظها شبيه  بالدخول إلى غابة طبيعية بما فيها من ألوان وأضواء وظلال و أصوات وحيوانات تتصارع من أجل فريسة تلتهمها. كما أن التفكير في ولوج ” شباك جارتنا الغريبة “ يوقظ فينا رغبة التحدي ويعطينا الوعد الصريح بأننا سنظفر بالجديد والمختلف في طياتها.

    فليس بريق الألوان في شعره أقل قيمة فنية من رنين الكلمات في مجموعته الشعرية ! هكذا يريد شاعرنا سفيان رجب الانطلاق من الموروث الحضاري العربي وجعله قاعدة صلبة ينطلق منها كل عمل ابداعي يحمل صفات التفرد والخصوصية .

    و في الختام ” شباك جارتنا الغريبة ” فيه الكثير من الإيحاءات و الدلالات نصوص ثرية كلما قرأتها إلا و اكتشفت فيها معاني جديدة و إيحاءات أخرى تربكك و تقودك نحو مسارب تتمنى الإبحار فيها و البحث في أعماقها.

بقلم الهادي عرجون

تونس – جربة في : 03 أكتوبر 2017

——————————————-

(1) ستيفن هارولد سبندر Harold Spender   Stephen شاعر وناقد إنكليزي، اكتسب شهرته بأشعار ذات طابع سياسي تعبر عن الآراء اليسارية.

(2) الدكتور علي عشري زايد:

(3) الدكتور المغربي جميل حمداوي السمو طيقا والعنونة ، مجلة عالم الفكر ، المجلد الخامس والعشرون ، الكويت 1997 ، صفحة 79.

(4) طاغور شاعر الفلسفة والحكمة .طاغور الشاعر والرسام .المبدع الذي ذاع صيته وانتشرت شهرته حكيما ورساما وفيلسوفا … ولد في 24 نيسان من عام 1861، وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره توفيت والدته، وفي العام التالي انتحرت شقيقته، وتتالت الأحداث المؤلمة في حياته، فبين عامي 1902 و 1918، انتزع منه الموت زوجه وثلاثة من أطفاله ووالده، ومع ذلك، فقد جعل منه صفاؤه الواسع وضبطه لنفسه وخضوعه لله (الذي ورثه من والده)، إنساناً نادر العظمة.

(5) عبد العزيز صالح المقالح ( 1937)  أديب و شاعر و ناقد يمني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × واحد =

‫شاهد أيضًا‬

حوار مع مدربة الحياة التونسيّة أ. ريم الخميري

الكوتش التونسية ريم خميري : الأمل أكسيجين الحياة معرفة الذات طريق للسعادة الحقيقية الإنسان…