‫الرئيسية‬ نسمات الحرية قراءة عاشقة في شعر الرسام يوسف الخرشوفي/الشاعرة ضحى بوترعة

قراءة عاشقة في شعر الرسام يوسف الخرشوفي/الشاعرة ضحى بوترعة

الأرض…  اللوحة  واللّغة
علاقة تشنقها الجروح  شكل انهياري للسياق و التحرر من اللّحظات الانفعالية  الارتباط بالألوان واللوحة  هكذا  يحاول الشاعر والفنان يوسف الخرشوفي ان يستفيد من اللّون  من الحزن والفرح من دويّ اللغة من العلاقات الغريبة بينه وبين الكون .
  يحذق القبض على لحظة الشعر الحقيقية  ويحاول  الشاعر هنا أن يبني فوق الخراب معبدا للفراشات..  وكل قراءة لنصوصه انما هي توغل واختراق لما وراء السطور ولذات الشاعر المتشظية بين اللغة والألوان حيث هناك حوار عميق بين اللّوحة وبين ذات الشاعر الرسام.. واللافت للانتباه هو أنّ الكلمة في الأعمال التصويريّة  لشاعرنا قائمة على إخراج المادة” الشعرية” بنسق تشكيلي إلى المجال الحسي البصري بتقنيات عالية، بغية إظهار تراسيم الجمال وتأكيده في الفضاء، ومن ثم ترك الافاق مفتوحة امام الخيال ليقوم بإمداد الأشكال بتدفقات لونية معاصرة، تتخطى حدود الزمان والمكان، قائمة على جملة من  التراكيب الحاملة في كينونتها للتّناقضات اللوحة، الارض ، الالوان، اللغة، كما أنها لا تخلو من تعبيريّة اللون والدلائل المفعمة بروح الخلق، والإبداع.
 ولعل  هذا ما يجعله في حالة صراع من أجل  إيجاد مطلق التوحد بين الرومنسية والفلسفة  والذوبان  الذهني الصوفي في الحب والتناغم مع ألوانه:
بين كفين تترنح فراشة من دفء الإشتعال تلهو بأنملها المائية فوق العشب المخضب بالحناء لتعزف اول الحلم سنفونيا الانعتاق احبك بكل اسماء العشق الحسنى وأتلو صلواتي آخر الليل بين نخلة ومعبد اعتق كل الحوريات من طيشي الملثم بالصمت اهديها اول الليل وآخر الحلم في علبة شوكلاطا لن أقسو عليك اليوم في عيد ميلادك ربما يكون اول الغيث كسرة ضوء
بقدر ما تتضمّن الكتابة الشعرية منذ أوّل وهلة من انغلاق على مستوى النّظر والإبصار، بقدر ما يشدّ المتلقي إلى الغوص في خفاياه والتعمّق في أدّق جزئيّاته وتفاصيله ليدرك مكنوناته، ممّا يستوجب قراءة ترتكز بالأساس على التّأويل ودراسة عميقة لكل التراكيب التي يوظفها الشاعر ليبرعن وجهة نظره، وانفعاله، وحالته، وشعوره، وهو بذلك يتحول من كاتب الى كتلة من التفاعلات العاطفية والوجدانية محاولة منه الوصول للمطلق ، لذلك نجد جانب رومنسي وصوفي  كبير في اللغة لدى الشاعر يوسف الخرشوفي.. فالحب هو ليس تلك اللوحة التي ترسم فراشة فحسب،  بل الفراشة التي تمتص  ضوء الألوان لتزداد لمعان في لغة الشاعر: 
هكذا يولد الاشتعال حين تحتك النار بالتراب…..
كآني لا ارى في اشتعالي سوى حوريات يرقدن بين النار والتراب يترحن على عود عنبر….لا اخشى الاشتعال في رحم النشوة ازف الطوفان بطوق من حرير لنجمة في كفي……
وهو في سعيه لاثبات رؤاه لايتوقف عند محافل اللغة والرسم التشكيلي فقط، انما نجده يلتحف بالرمزية التي تمجد الرؤية وتجعلها ممتدة الى البدء ومن ثم تتجازها الى الان والغد.. فالشاعر يعيش رؤاه باجواء اسطورية نجدها تحتل مكانة بارزة في معجمه الدلالي والتشكيلي:
لن اخبر أمي اني دخلت حديقة الجار لن أخبر ابي قد ابتلعت الطوفان حين اشتهت نفسي عند البئر راحة التفاح وحبات مطر
استعمال التفاحة والمستمدة من قصة ادم وحواء والحوريات  
البئر من قصة سيدنا يوسف ، الطوفان ..
وضمن سعيه الدوؤب الى التحليق بالمتلقي فوق الافق.. نجده يقحمنا في مساحات من الموروث الديني من حيث توظيفه للمفردات والقصص التي تنم عن وعي وادراك لماهية التوظيف من جهة، وكذلك عن فرض المسار الذي يخلقه لرؤاه من جهة اخرى ، وهذا ما يتجلى غالباً  في الشعر الصوفي  والرومنسي  حيث أن  الشعراء الصوفيون يعيشون حالة وجدانية  لا تقيدها الساعات ولا اللحظات .. فالشاعر هنا  منفتح على هذا العالم ومندمج في فنه ولغته يعيش الوجدان والهيام ما بين لوحاته وجمر اللغة ،كما نلاحظ من خلال تعمقنا في قصائد الشاعر أنّ له اتجاها خاصا به مستقل فيه عن غيره…لكونه فنان يخاطب الألوان، ولانه ينطلق من فلسفة خاصة حسب رؤيته لحقائق الحياة  ولأسرار الكون  للحب/ للون … وهكذا يحلق  بما يحلم به.. ليتجاوز ذاته الى الاخر.. الى الموجودات ..حتى أن القصيدة أصبحت تسيطر على مساره.. فيرسمها ثم يكتبها  ويكتبها ثم يرسمها وعلى هذا الاساس لم تكن القصيدة عنده ألفاظا ترصف  لتؤلف قصيدة بل أصبحت عملا أدبيا ينضج فيها من ذات الشاعر على لوحته  وفي القصيدة.. ونستطيع  تصنيف هذه القصيدة بجعلها في خانة الشعر الحديث  تشدها خيوط نفسية وروحية  متشظية بين الحداثة والقديم  فهي قصيدة الحلم تخضع لرؤية فلسفية وهي قصيدة الكشف  والاحساس العميق  .
ينجح الشاعر يوسف الخرشوفي في المزج بين  الرؤية الفلسفية لكل ما حوله واللغة الشعرية التي تنسق رؤاه وفق منهجية مرتكزة على جملة عوامل بنائية متدفقة في اصولها ومتينة في انسياقاتها البلاغية، ومجتهدة في تموجاتها الصورية لتكشل في معالمها صرحاً شعريا حداثيا موفقاً.. حيث نجده يرتفع بشعره فينبض جمال القصيدة بالعاطفة الراقية وتدفق انفعالات الشاعر في لحظة القبض على كتابة القصيدة التي تدفعه الى عالم الرمز الدلالة والاستعارة والتكثيف مما يجعلنا  نجنس اعماله ضمن  القصيدة الحديثة (قصيدة النثر ) والتي تخضع للمواصفات التي نجدها في شعر الرسام والشاعر يوسف الخرشوفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 1 =

‫شاهد أيضًا‬

حوار مع مدربة الحياة التونسيّة أ. ريم الخميري

الكوتش التونسية ريم خميري : الأمل أكسيجين الحياة معرفة الذات طريق للسعادة الحقيقية الإنسان…