حزيران.. ستة وأربعون عاما /بقلم: لطفي زغلول
ستة وأربعون حزيرانا مرت على أول حزيران/ يونيو منذ العام 1967، وما زال حزيران نفقا طويلا مظلما، لا يلوح بصيص نور في آخره. ستة وأربعون حزيرانا تفرز أحشاؤها كل يوم مزيدا من السطور الكئيبة على صفحات تاريخ النكبة الفلسطينية، هذه النكبة التي دخل الفلسطينيون عامها السادس والستين.
واذا كان الخامس عشر من أيار/مايو 1948 قد ألقى بظلاله القاتمة على الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، فقد جاء حزيران بعد تسعة عشر عاما ليفرز تداعياته المستدامة على مجمل الحياة العربية، ولتصبح أسيرتها بصورة أو بأخرى.
ستة وأربعون عاما منذ أن دخل هذا الحزيران أجندة القضية الفلسطينية وشكل واحدا من أخطر مفترقاتها. هو في حكم الزمن ماض، إلا أن هذا الماضي ما زال حاضرا حتى اللحظة الراهنة وعلى ما يبدو إلى ما بعدها.
إننا، ونحن نتحدث عن حزيران/يونيو 1967، وتحديدا اليوم الخامس من أيامه، وما تلاه من أيام، فإننا في هذه العجالة لن نوفيه حقه. إن حزيران سفر تاريخ طويل، ما زالت صفحاته مشرعة لمزيد من التحديات والجراحات والمآسي والأحزان، وهي تنهال على الشعب الفلسطيني من كل حدب وصوب. إلا أن هذا الشعب ما زال واقفا، لم تلن له قناة، ولا طأطأت رأس، ولا نالت منه الأحداث منالا.
ويحار الكاتب منا، وهو يحمل القلم ليكتب عن هذه الذكرى، وما تفرزه كل طالع شمس ونهار. عن ماذا سيكتب؟. عمن سيكتب؟. هل هناك شيء لم يكتب عنه الكتاب؟. وبرغم هذا وذاك، فسوف نظل نكتب عن كل ما يخص القضية الفلسطينية وإفرازاتها وتداعياتها ومستجداتها.
سوف نظل نكتب عن خدعة العملية السلمية. عن الحكومات الإسرائيلية التي لم يخطر على بالها أن تعقد سلاما حقيقيا مع الفلسطينيين يعيد حقوقهم المغتصبة لهم، وظلت تراوغ طيلة هذه السنين. عن حق العودة المشروع الذي يتجاهله الإسرائيليون، ولم يدرجوه في أجنداتهم السياسية.
سوف نظل نكتب عما اقترفته السياسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية. عن مصادرة هذه الأرض. سنكتب عن هذه المستوطنات التي تسرطنت في هذه الأرض. عن الجدار الفاصل الذي مزق الوطن، وجعل أهله رهائن الإعتقال. عن تهويد القدس وإصرار الإسرائيليين على أن تكون عاصمتهم إلى الأبد. عن المسجد الأقصى الذي تتهدده أطماع الإسرائيليين فيه.
سنظل نكتب عن الإعتقالات وآلاف الأسرى في المعتقلات الإسرائيلية، وعن الإغتيالات والإجتياحات والمداهمات وحظر التجوال والأطواق والحواجز والسواتر. سنظل نكتب عما فعلته سياساتهم من هدم وتشريد للأهل، باختصار عما فعلته بالحجر والشجر والبشر.
عن خدعة الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومن سبقوه من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية حول الدولة الفلسطينية. عن خضوع أوباما لتوجهات نتنياهو. عن خطابه أمام اللوبي الصهيوني ” الإيباك” وقد ظهر على حقيقته، أم عن خطاب نتنياهو أمام مجلس الكونجرس الأميركي وهو يكرر لاءاته لحق العودة، والقدس عاصمة للفلسطينيين، ورفضه الإنسحاب إلى ما وراء خطوط الخامس من حزيران/يونيو 1967، ونفيه أن هناك احتلالا إسرائيليا.
في الذكرى السادسة والأربعين لحزيران، يتذكر الفلسطينيون مرارة المتغيرات العربية التي حجمت القضية الفلسطينية. لقد انسحب الأشقاء العرب من ساحتها، وتركوا الشعب الفلسطيني وحده قائما في مهب التحديات التي تكالبت كل القوى المعادية له على تكثيفها، بغية النيل منه، ومن ثوابت قضيته التي فقدت دون أدنى شك بعدها القومي. وليت الأمر يقف عند حدود صمت الأشقاء وتخليهم، بل هناك من تآمر عليهم وعلى قضيتهم.
في الذكرى السادسة والأربعين لحزيران/ يونيو، ينظر الفلسطينيون حولهم ليشاهدوا أن وطنهم الشرعي قد تلون بصبغة الإستيطان، وأن أقصاهم المبارك أصبح في مرمى تفكير المستوطنين وأنظارهم، وأن كل ما يقال عن حل الدولتين ما هو إلا ضرب من الغش والخداع، وأن الإنجرار إلى المفاوضات ما هو إلا العبث ليس إلا.
إن الأشقاء العرب وعلى ما يبدو قد أسقطوا من أجندتهم القضية الفلسطينية، وما عاد ما يتعرض له الأقصى المبارك من اقتحامات وانتهاكات مستدامة يحرك مشاعرهم التي أصابها الإنجماد والجمود.
وبرغم هذا فإن الفلسطينيين يأملون من أشقائهم أن يكون لعلاقاتهم مع الولايات المتحدة الأميركية مسارات أخرى تخدم قضاياهم، وفي طليعتها القضية الفلسطينية. لقد تعاجزت الأنظمة السياسية العربية أمام السياسات الأميركية، وأمام هذه العلاقة الإستراتيجية بين إسرائيل وأميركا التي أفرزت إنحيازا لا مثيل له في التاريخ، وباتت هذه الأنظمة العربية منقادة لها، لا تملك من أمرها شيئا، متناسية أن مصالح أميركا تفوق بكثير مطالب العرب منها.
هكذا هو حزيران السادس والأربعون، يطل على الفلسطينيين بشجونه وأشجانه. يسافر بنا من الذكريات الأليمة إليها. لقد حط هذه المرة رحاله في الأراضي الفلسطينية، يفرغ حقائبه المثقلات بالأسى واللوعة على ما آلت إليه الأحوال. ها هو يوقد شمعة عامه السابع والأربعين، وما زال يتسرطن في جسد الأمة العربية بعامة، والشعب الفلسطيني بخاصة، يقرع أجراس مخاطره التي لم تلامس مسامع العرب الغافين الساهين اللاهين.
كلمة أخيرة ، لقد مضت ستة وستون عاما على نكبة الشعب الفلسطيني، وستة وأربعون على احتلال كامل ترابه. وعلى مدى هذه الأعوام العجاف التي حرمته نعمة الأمن والأمان والسلام في وطنه، لم تفت الأيام في عضده. لم ييأس. لم يتخل عن ثوابت قضيته.
لم يترجل عن صهوة نضالاته لاستعادة حقوقه المشروعة. لم تثنه التضحيات الجسام عن المضي قدما إلى صباح وطن لا تغيب عنه الحرية. إنها القضية الفلسطينية لا تموت، وتبقى إرثا تتناقله الأجيال. إنه الشعب الفلسطيني يهتف في الذكرى: ما ضاع حق خلفه مطالب. والشعب الفلسطيني هو المطالب. والقضية الفلسطينية هي الحق.
حوار مع مدربة الحياة التونسيّة أ. ريم الخميري
الكوتش التونسية ريم خميري : الأمل أكسيجين الحياة معرفة الذات طريق للسعادة الحقيقية الإنسان…