‫الرئيسية‬ مع الناس أصنع ذاتك كما تريد “زمان الوصل ، والتألق الوجودي .. !! “/بقلم:المستشار سعد آل حجاب

“زمان الوصل ، والتألق الوجودي .. !! “/بقلم:المستشار سعد آل حجاب

مرتْ سنينٌ بالوصال وبالهنا \\ فكأنها من قُصرِها أيامُ
ثم انثنت أيامُ هجرٍ بعدها \\ فكأنها من طولِهَا أعوامُ
ثم انقضت تلك السنون وأهلُها \\ فكأنها وكأنهم أحلامُ 
كنتُ ذات مساء في حالة من الاشتياق الوجداني لأمر لا أدركه ، لكن يمكن وصفه بأنه حالة من حالات الاغتراب العارضة ..!! التقيت الحكيم ودندنت أمامه بهذه الابيات التي تألق في نسجها الشاعر الكبير (أبو تمام)
فقال لي الحكيم : أنت ممن يهتمون بـ(السايكولوجي) والمساندة النفسية هل تدرك عن هذه المعاني شيئاً ؟
قلت : هل تفيدني عن هذا ؟
فقال : أما أثر توجعات العشاق فأحيلك إلى كتاب ( روضة المحبين ونزهة المشتاقين) للعلامة ابن القيم ، وإن شئت استغراقا عاطفيا فعليك بطوق الحمامة لابن حزم ، أما حالات الوجد واللوعة ففي قصة الشاعر الفرنسي (سيرانو برجراك) ستجد مزيدا من البكائيات على طريقة المنفلوطي ..!! ولكن سأخبرك عن واقعنا وبعض مشاهداتي هذه الأيام 
قلت : تفضل سيكون حديثك ماتعاً يجلو الفؤادَ الصادِ .. !!
فقال : قد تمر بك حالة مزعجة تشعرك بفراغ وجداني في الداخل ، تزدهر هذه الحالة وتظهر بوضوح في الأيام بل في الساعات الأخيرة من نهاية مواسم العطل العامة الطويلة ، وعلى مستوى الأفراد عند قرب العودة من رحلة استجمام ما ، كانت مشبعة بترف وأنس … !!
إنها حالةُ قلقٍ وجودي أضحت يابني وقفاً على انتهاء مواسمنا الاجتماعية تُستشعرُ وهي متمثلةٌ في شكل كدرٍ مزاجيٍ وشعور مؤرق يُحسُ ، وكأنه يعبرُ عن اغترابٍ وفراغٍ عاطفيٍ عميق ..!!
والملاحظ أن هذه الحالة تنتهي بمجرد الاتصال المباشر فعليا بالموسم الجديد ، والانفصال عن الموسم الترفيهي ، والمثير للاهتمام أنها حالة لا تُذكر ولا تُوصف ولا تظهر عند انتهاء مواسم العمل وابتداء مواسم العطل ..!!
قلت للحكيم : هل ظهورها واستشعارها ينبي عن خطورتها ، وكيف نفسرها ؟ 
قال الحكيم : أما كونها خطرة فخطورتها نسبية ، وقد تتراكم مع حالة سابقة وتتكدس مع الوقت لكن فهمَها الآن يحسم مخرجاتها … 
أما تفسيرُها فلسفياً فهو أن لدى كل منا ( خبرة عميقة ) تسكن الجزء المخفي منه الجزء الذي عُرف بـ(اللاوعي)، تلك الخبرة عن مواسم الجد ، وهي خبرة فيها ما فيها من البرمجة السلبية ، والضغط المكبوت والمتراكم ، ذلك عن الارتباط بالعمل الوظيفي والدراسة … 
قلتُ للحكيم : نعم صدقت ،  تُغذي هذه الخبرة وقائعُ من ثقافة البيئة الاجتماعية العامة تجاه ارتباط الفرد بكل ما هو انتاجي وجاد، وتختلف هذه الخبرة في كثافتها بين مقلٍ ومستكثر .. !
قال الحكيم : نعم أحسنت ، ولهذا نحن ننفصل عن مواسم الجد بشوق مكثفٍ تجاه مواسم العطل ، وهو شوقٌ يملأ فراغ وجدانياتنا آخذاً مكان الفراغ الذي كان سيحدث لو كنا مطمئنين وراكنين إلى أيام ارتباطنا الجاد بمواقعنا الدائمة، فهذا الشوق يحدونا إلى مواسم الترف والترفيه حيث يخيل إلينا أنها هروب من سجن الجدية..
قلتُ : وهنا يتعمق فينا الاتصال بهذه المواسم التي صنفناها ذهنيا بأنها ممتعة ونحن بهذا نوجد محفزا لطلب انفصالنا عن موسم الجد واتصالنا بموسم الدعة بينما قد يكون الامتاع في الموسمين … !!
قال الحكيم : صحيح ما أشرتَ إليه ، والذي أود أن أبينه هنا هو أن استشعار هذه الحالة العارضة يخفف وطئها ولا يبقى منها بقايا تراكم ، بل تغادر بكل مكوناتها كسحابةِ صيفٍ مرتْ وعن قليل تقشعُ ، ويبدأ الشخص صفحة موسمٍ جديد متقبل لديه .. 
قلت : استشعرنا الحالة، فهمنَا ماهيتها،  تقبلنَا،ها نحن الآن نجتازُها، تجاوزناها، واستقبلنا موسمَنَا بتجدد نقي على أمل .. 
فقال الحكيم : هذا مذهل للمتأمل !! وإليك هذ الصياغة الفلسفية المختصرة ، التألق الوجودي في هذه المواقف يعني الاستشعار الموسع للذات ، والتعرف على المعتقدات،  وتحديد الموقع الشخصي من الوجود، والاستبصار بالدوافع العميقة .. 
فلت : هو في ذات المنحى يعني الاحساس بالمعنى واستشعار الإيمان ، وبناء الأمل.
 قال نعم : فالإيمان يولد الأمل ويصنع معنى للحياة … !!
ودعتُ الحكيم على أمل لقاء جديد به وبكم ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 4 =

‫شاهد أيضًا‬

حوار مع مدربة الحياة التونسيّة أ. ريم الخميري

الكوتش التونسية ريم خميري : الأمل أكسيجين الحياة معرفة الذات طريق للسعادة الحقيقية الإنسان…