‫الرئيسية‬ شذى العنبر الرواية فينوس ..كولاج نصي عن مسرحية ” كاليجولا” لألبير كامو/إعداد : محمد عبد الهادي
الرواية - شذى العنبر - 30 أكتوبر، 2017

فينوس ..كولاج نصي عن مسرحية ” كاليجولا” لألبير كامو/إعداد : محمد عبد الهادي

شعرت فجأة بحاجة إلي شيء يرضيني ، شيء جنوني ، شيء لا يوجد في هذا العالم ، القمر.. الفردوس … الخلود! .. لماذا يعيش الناس تعساء ، ويموتون تعساء ًأيضا ؟ !؟ ربما ينقصهم المعرفة ؟ ربما ينقصني أنا بعض النوم ! لكنني لو نمت كيف سأحصل علي القمر ؟ كيف سأدرك المستحيل ؟ يااااه إن طريق الحياة وعر وشاق ، دون مساعدة ! لكن من يساعدنا ؟  الفن ؟ الحب ؟ الدين ؟ ( في تفكير ) الدين ؟!!!!  لم يكن لديّ في يوم من الأيام اله آخر سوي جسدي ! حسنا : الهي ،ماذا ستفعل لتساعدني في البحث عن غير الممكن ؟ عن المستحيل؟ عن الـ .. حريّة  مثلا! الحرية تعطي للمستحيل حظوظا ما ، أليس كذلك ؟!؟ من الآن فصاعدا ، سوف أترك العنان لحريتي لتجول أينما تريد ، دون حدو 
هاهاها ، هل مثل هذا الأمر يجلب الغبطة ؟ هه؟! لا أعرف ، غير أني أظن أنه يجب عليّ أن أتعايش مع ذلك !! الآن أكره العالم ! العالم كله ! نعم أكرهكم ! لأنكم لستم أحرارا ! ولا يوجد فيالعالم حر سواي ! (تبكي )  هل سأبدأ الآن عهدا حافلا بالتجارب والمحن؟ لماذا أبكي الآن ؟ هل لأن الأمور لا تجري كما ينبغي لها ؟ أم أنها الحياة ؟ الحياة التي لا تعدو إلّا رذيلة ! لا يهم .. قد أستطيع أن أتعايش مع هذا ! لعل الأمر لا يتعدي سحابة صيف ؟ غير أني أشعر كيف تستفيق عندي حقائق لا تسمية لها !! آآآآه كم هو صعب ومر أن يصبح المرء إنسانا ؟!؟ لا شك في أننيأحتاج للنوم والسلوان ، إلا أنني غير قادرة علي ذلك !! وكيف أنام وأنا لا أملك سلطة علي الأشياء ؟ كيف أنام وأنا لا أستطيع تغيير نظام العالم ؟ أن أجعل الشمس تغرب في الشرق ؟ أن أوقف الموت عن الناس ؟ أو حتى أن أذيب السماء في البحر ؟! آه كم تمنيت أن أخفي المعاناة ، وأن أخلق من الألم فقاعات من الضحك ! هاهاها  يبدو أنني أرغب في أن أبدل كل شيء ! كل شيء !لكن كيف ؟ ( تطرقع بأصبعيها )  بالمساواة ،  حسنا ، سوف أقدّم المساواة لعصري كهدية ما ، وعندما يتساوي الجميع : سيصل في النهاية المستحيل إلي الأرض ، وسيصبح القمر بين يديّ .. نعم .. بعدها سوف يتوقف الناس عن الموت ، وفي نهاية المطاف سوف يصبحون سعداء ! ما أمتع هذا !هاهاها  إنه لا يفوق قدرات إدراكي كامرأة ، ( تقطب حاجبيها ) أليس في هذا شيء من القسوة ؟ نعم القسوة ، والبرود أيضا ! كم شعرت بالخوف ! وأمام الخوف لا يبق شيء علي الإطلاق ، لا الشرف ، ولا الأصل الطيب ، ولا الحكمة الأزلية ! إنه الإحساس العالي الذي لا تعتريه أي شوائب ! إنه نقيّ ولم يمس أطلاقا ! الآن أحس أنه لم يبق عندي من الأساليب للبرهان علي أني حرة !! هذا أمر مهين ! وهكذا يمكن أن نضيف إلي القسوة ألم المعاناة ! المعاناة من أجل النرجسية ، وزيادة أوهام المشاعر .. مشاعر مثل الحب .. ( في توهه ) الحب؟ 
تفيق ) هأ ، لقد أدركت تفاهته .. والمهم هو أمر آخر : القمر .. من هنا يبدأ كل شيء .. وفي نهايته سوف أعيش .. ( تدور راقصة ) أعيش الحياة والحب ! أمران متناقضان ! إلا أنني أحتاج من أجل ذلك إلي ضحايا ! ضحايا مذنبين ! ( تصرخ ) أحتاج إلي مذنبين .. الجميع مذنبون ( ترتجف ) نعم مذنبون ( تصرخ وهي تكلم الفراغ ) أيها المتهمون : جميعكم سيحاكم بالإعدام ( تحدث نفسها في شرود ) سأريهم شيئا لم يروه في حياتهم : سأريهم امرأة حرة ، وحيدة .. هاهاها سيكون هذا رائعا هاهاها ، لحظة الكراهية تجعل الناس أكثر ذكاء ً ( تسقط علي ركبتيها ) إنها لحظة واهية ! ( في همس مرير ) أليس بالإمكان أن أري ما حولي كله يفيض بالحب ؟ ! آه لو كان بمقدوري أن أتعرف إلي أرواح صافية طاهرة ! كم هو شديد عطشي للحياة ! إلي تلك الدرجة التي لا يمكن فيها إطفائه .. آآآه كم أعيش وحدة موحشة ! إنني أحمل دائما معي أوزار الحاضر والماضي ! وحشتي تخترق كل شيء ! الرجال الملعونون الذين يلاطفونني ، ويسلبونني الشهوة في الظلام ، روائح المتعة الحادة في أحضان صديقاتي الحالمات ، حتى ذلك الملجأ الهادئ الذي اعتدته … الازدراء !! لكنني اليوم سأكون مختلفة .. نعم .. من اليوم أنافينوس ،فينوس  حفيدة أمواج المرارة ، واللزوجة ، وملح البحر ! أنا البسمة والرحمة .. الظلم والابتهاج .. ( تكلم الفراغ ) اليوم سأعلمكم عدم المبالاة بالحب المتوقد .. سأرشدكم إلي حقيقة هذا العالم الذي انعدمت فيه كل حقيقة .. و أنعم عليكم بالقوة ، لتصبحوا جديرين بهذه الحقيقة غير العادلة .. اسجدوا .. اسجدوا .. أن السجود جميل ، والآلهة لا تمتلك كنوزا سوي حب الموتى ! انتظروا ، إنه ليس تجديفا … هههه هو محض تبصير .. ألم أحدثكم عن القسوة ؟ أن تضارع الآلهة يعني أن تكون قاسيا مثلها ، قاسيا لدرجة التضحية بالعبيد لعرس النرجسية ! أنا لا أملك أي مبادئ ، لهذا لا يوجد عندي أي مطامع ، سوف أستخدم السلطة لمكافئة ذاتي .. وللتعويض فحسب ! ولأن عقولكم لا تدرك أحكام القدر ، لذا سوف أجعل من نفسي قدرا .. ألم أتقمص صورة إلهة مثل فينوس هاهاها … أذكركم مرة أخري : إنه ليس تجديفا ، إنه فن مسرحيّ ، وخطيئة هؤلاء الناس جميعا تكمن في عدم إيمانهم بالمسرح .. رغم أنه أمر في غاية السهولة ! ما عليكم سوي اقتلاع الرأفة من القلب ! ( تفكر ) يبدو أنني أفرطت في الحديث فنسيت !! يتوجب عليّ أن أطلي أظافر قدمي بالصباغ ، وهذا أمر لا يجوز تأجيله ! ( تخرج علبة المونيكير وتبدأ في طلاء أظافرها ثم تتذكر ) يبدو أنني نسيت إدراك القمر ! ( تنظر إلي طلاء الأظافر ) إن هذا الطلاء لا يصلح لأي شيء ! ( تنظر إلي الأعلى ) لكن القمر .. القمر بحيرة حليب في ظلام دامس ! إنه رشيق ، وعار تماما ، ألن تقصد فراشي اليوم أيها القمر ؟ ( تنظر إلي طلاء الأظافر )أكيد أن هذا الطلاء لا يصلح لأي شيء ! (إلي القمر ) لو أنك دخلت إلي فراشي يا قمري ، لتبدلت الأمور ، أليس كذلك ؟ ولأصبح المستحيل ممكنا ، ولتكثف الزمن في لحظة واحدة ! مرة وإلي الأبد .. (تقف فجأة ) ما هذا الخواء ؟ حتى لو امتلكت القمر ، فلن أستطيع أن أتراجع عن السلطة الفينوسية المطلقة ! تلك السلطة التي لا تستطيع أن تعيد البراءة ! ( تكلم نفسها ) الآن خطرت علي ذهني فكرة رائعة : أريد أن أتبادل الدور مع وباء الطاعون !( تنظر إلي الفراغ )  أيها الناس : يا من تنفرون من رؤية التعساء ، يا من يعكر صفوكم قلب نابض ، لقد تمنيت السعادة لتطهر النفوس ، إنها مجرد فكرة ، لكنني لا أدري إن كان تحقيقها سيوصلني ولو لدقيقة واحدة إلي الحياة الحرة ! هل سيكون حسنا أن أحب وأن أعيش بروح نقيّة ؟ أم أنها حماقة ؟ الحماقة التي تحمل الموت ، وعندها تشعر نفسك مهانا ! الإهانة   التي أشمها كلما يضاجعونني ! كل يوم أراقب الموت المتدرج للإنسانية في نفسي كبر سني ، وقريبا سيميل شكلي إلي البشاعة ! أنا أعرف ذلك ! ما هو أكثر رعبا : الخوف .. ذلك الشعور الوحيد النقي ، الذي وهبتني إياه الحياة ! أيها الناس  : هناك شكلان للسعادة ، إحداهما روح عظيمة لا تسحق الآخرين من أجل أن تعيش ، وأنا اخترت تلك التي تحمل الموت ! غريب أنني أشعر اليوم بحريّة أكثر ! تحررت من الذكريات والأوهام ، أنا من عاشت تلك التراجيديا الممتعة إلي نهايتها ، وقد حان الوقت لإسدال الستار عليها ! هذا ما تعنيه السعادة ، الحريّة  المطلقة : الحقد علي كل ما هو موجود علي الأرض ، علي الكراهية ، علي العزلة المنقطعة النظير لإنسان يحب الحياة ! كلكم مذنبون … وأنا أيضا مذنبة ! قد يكون ذنبي أصغر ، قد يكون أكبر ، ما الفرق ؟!؟ لكن من يتجرأ علي محاكمتي في هذا العالم ؟ ( في شرود ) أترون : أنا لم أحصل علي القمر ! كل شيء يبدو شديد التعقيد ! كانت الأمور ستصير أفضل لو أنني حصلت علي القمر أنا لا أحتاج سوي لتحقيق أمر واحد : المستحيل !
بحثت عنه في أطراف
 العالم وبين حنايا روحي ، ولم أصل ..حريتي  وهمية ! كم هو قاس علي المرء عدله الخاص ، والطريق الطويل إلي النهاية .. كم أخشي النهاية .. كم أخشي النهاية !             إظلام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 − أربعة =

‫شاهد أيضًا‬

حوار مع مدربة الحياة التونسيّة أ. ريم الخميري

الكوتش التونسية ريم خميري : الأمل أكسيجين الحياة معرفة الذات طريق للسعادة الحقيقية الإنسان…